(أرنستو تشي جيفارا)
يوميات على دراجة نارية
نعيمة حسن
أهمية هذه الرحلة تكمن في أن بطلها هو (جيفارا). ومن منا لم يسمع يومًا (بجيفارا)؟. ذلك الثوري المفعم بالحياة. في هذا الكتاب (يوميات دراجة نارية) ترجمة صلاح صلاح .يلقي مترجم الكتاب في مقدمة الكتاب الضوء على جانب من حياة (جيفارا) الذي غادر الأرجنتين توقاً في المغامرة. وتعطشًا في مزيد من المعرفة. و مقدرته الفائقة على كتابة يومياته بكثير من البلاغة و الأمانة. و هو يجوب أمريكا اللاتينية و يصور لنا لقطات عن فقر أهلها، و الاستغلال الذي يتعرضون له.و هو لا يفقد روح الفكاهه و الدعابة في يومياته، و يروي هذا الكتاب في صفحاته المئتين و ستة مواضيع شتى، و يبدأ المؤلف بالتعريف (بجيفارا)، و موجز لوقائع حياته.
ولد (جيفارا) في الأرجنتين يوم 14 يونيو جزيران1928 درس الطب، و قام بعدة رحلات في أمركيا الاتينية، و يتعرض الكتاب إلي رحلة (جيفارا) مع صديقه (البيرتو جرنادو) على دراجة نارية حيث بدأت هذه الرحلة في أكتوبر 1951 حين أقر( إرنستو) وصديقه (ألبيرتو جرانادو) خطة لقيادة دراجة (ألبيرتو) النارية التي كان يسميها (الجبارة الثانية)، وكان صديقه قد درس الكيمياء الحيوية وتخصص في مرض الجذام . أمتدت هذه الرحلة مسافة 4500 كلم من شمال الأرجتين و كان خط الرحلة من (أمريكا اللاتينية) إلي بلدان عدة منها: (بوليفيا، و بيرو، و الأكوادور، و بنما، و كوستاريكا، و جواتميالا) .
نشرت تفاصيل هذه الرحلات تحت عنوان ( مرة أخرى أو على الطريق ثانية ) 1953 . و قام (جيفارا) أيضا برحلة إلي الاتحاد السوفيتي، و جمهورية ألمانيا الديمقراطية، و تشكيوسلوفاكيا سابقاً، و الصين.و يتناول الكتاب المراحل الأساسية في هذه الرحلة وتأريخ لكل رحلة. و يعرض المؤلف مقدمة يظهر فيها البطل (جيفارا). و ينتقل بعد ذلك الى (مسار الرحلة) وهو الفصل الأطول. و لقد ضمن هذا الفصل عناوين تحفز القارئ و تشوقه على متابعة القراءة، فلا يستطيع أن ينهي سطرًا، حتى يشرع في السطر الذي يليه .في هذه المرحلة يسرد بطلها ( جيفارا) مشاهدته بلغته، وبكثير من التفصيل، ففي خلال تسعة أشهر من حياته، كان (جيفارا)يفكر في أشياء كثيرة حتى بدت تأملاته من أرفع التأملات الفلسفية شأناً، حتى أدنى التوق الي طبق حساء ساخن .
شخصية جيفارا تتجلى في يومياته.
في هذه اليوميات يتجلى لنا (جيفارا) كيف أنه استخدم كلمات تسمح لنا بسماع أصوات لم نسمعها من قبل، و يضعنا في أجواء أدهشت وجوده الرومانسي بجمالها و فجاحتها أحياناً، و مع ذلك لا يتخلى قط عن رقته حتى حين يصبح صارمًا في توقه الثوري القوي. بل إن قوته و مثابرته في محاولة إحلال تغييرًا جتماعياً، قد تمكن الفقراء من العيش بالكرامة التي سلبت منهم، و سحقتهم لقرون. قدم الكاتب في هذا الكتاب رؤية أعمق في حياة (جيفارا). خاصة في مرحلة ليست معروفة كثيرًا، و ليكشف تفاصل عن شخصيته، و خلفيته الثقافية، و مهارته السردية، ليتسلل الي القارئ التغير غير العادي الذي يحدث لـ(جيفارا) و هو يكتشف أمركيا اللاتينية، و يلج الي صميم قلبها ويطور حسًا متناميًا بهوية تاريخ جديد لأمريكا. يشير المؤلف إلي أننا لسنا أمام قصة بطولة خارقة، و لكنها لمحات لحياة رحالان سارا متوازيتين لفترة من الزمن بآمال متماثلة، وأحلام متقاربة.
المهارة الأدبية في يوميات جيفارا
تجسدت المهارة الأدبية لهذا البطل، في أنه كان يجذب الكلمات صوبه مما يحولها إلى واقع ، يصف مناظر من رحلاته بكلمات تلون كل صورة، لتتغلغل إلى حواسنا فنرى المشهد كما رآه بعينيه، فالمنظر الطبيعي له روح أكثر من كونه مجرد مشهد في يوميات (جيفارا). ونجده يجر بين سطور يومياته خفة السرد غير المدرك بالحس، ويفيض بين وصف المشاعر والأحداث. كما نجد الرويات السردية والتي يبحث فيها عن نفسه متناثرة في يومياته، حيث نقترب من فلسفة رؤيته للإنسان: ( الإنسان، مقياس كل شيئ، يتكلم هنا عبر فمه فيروي بلغته الخاصة ما رأته عينه.). ليذكرنا بما قاله هيراقلطس عن أن الإنسان مقياس الأشياء. تصل مراحل الإبداع الأدبي والحسي ذروته حين يسرد الأحداث السعيدة و المأساوية في آن واحد، دون شهيق أو زفير حادين.
صعوبات الرحلة
مرت رحلة (جيفارا) هذه بصعوبات عديدة من خلال تنقله على الدراجة النارية، أو عربات الشحن المقفلة، على متن السفن أو النوم في مخافر الشرطة، و تحت النجوم أو الملاجئ العابرة، كافح (جيفارا) باستمرار ضد ربوه – حيث كان يعاني من هذا المرض منذ الصغر- وتتضمن بعض فصول الكتاب معاناته مع هذا المرض. و للناس الذين رأهم (جيفارا) في رحلاته انطباعاً في نفسه، حيث يصف هنود بيرو : (هؤلاء الناس الذين يراقبوننا في البلدة هم جنس مهزوم، نظراتهم وديعة، لامبالية تماماً بالعالم الخارجي، يوحي بعضهم بأنه مستمر في العيش لأن ذلك مجرد عادة لا يقدر على التخلص منها). في رسالة إلى والدته يظهر فيها (جيفارا). أهتمامه البالغ بزيارته إلى (مستعمرة سان بابلو للجذام)، ومدى تأثره بوداع المرضى له في جمال انفعالي واضح واصفاً المشهد بقوله: ( انطلق المرضى على صوت لحن شعبي، انساقت الحمولة البشرية بعيداً عن الشاطئ، وأضفت أضواء القناديل الخافتة على الناس سمة الأشباح ).
نهاية البطل الثوري
أسدل الستار على حياة ثوري مناضل في 8/ أكتوبر تشرين الأول سنة 1967 حيث وقع 17 مقاتلاً في كمين، و كان بينهم (جيفارا)، فجرح وأسر. و قتل في اليوم التالي من قبل القوات البوليفية العاملة تحت إمرة تعليمات من واشنطن. دفن في قبر مجهول مع جثامين عدد من المقاتلين. وفي عام 1997 أعيد رفاته إلى كوبا، حيث وضع في نصب تذكاري في مدينة (سانتا كلارا). لايراودني الشك أنكم ستكتشفون خلال قرائتكم لهذا الكتاب. أنكم تودون العودة إليه، للاستمتاع بالقطع النثرية الفنية لحياة رجل ثرية بالتناقضات، والتي تمكن للإنسان اذا ما فسر الواقع بشكل سليم، أن يغير من طريقة تفكيره، ويصبح قادر على إحلال تغيراً إزاء نفسه وعالمه أيضاً.
يوميات على دراجة نارية
نعيمة حسن
أهمية هذه الرحلة تكمن في أن بطلها هو (جيفارا). ومن منا لم يسمع يومًا (بجيفارا)؟. ذلك الثوري المفعم بالحياة. في هذا الكتاب (يوميات دراجة نارية) ترجمة صلاح صلاح .يلقي مترجم الكتاب في مقدمة الكتاب الضوء على جانب من حياة (جيفارا) الذي غادر الأرجنتين توقاً في المغامرة. وتعطشًا في مزيد من المعرفة. و مقدرته الفائقة على كتابة يومياته بكثير من البلاغة و الأمانة. و هو يجوب أمريكا اللاتينية و يصور لنا لقطات عن فقر أهلها، و الاستغلال الذي يتعرضون له.و هو لا يفقد روح الفكاهه و الدعابة في يومياته، و يروي هذا الكتاب في صفحاته المئتين و ستة مواضيع شتى، و يبدأ المؤلف بالتعريف (بجيفارا)، و موجز لوقائع حياته.
ولد (جيفارا) في الأرجنتين يوم 14 يونيو جزيران1928 درس الطب، و قام بعدة رحلات في أمركيا الاتينية، و يتعرض الكتاب إلي رحلة (جيفارا) مع صديقه (البيرتو جرنادو) على دراجة نارية حيث بدأت هذه الرحلة في أكتوبر 1951 حين أقر( إرنستو) وصديقه (ألبيرتو جرانادو) خطة لقيادة دراجة (ألبيرتو) النارية التي كان يسميها (الجبارة الثانية)، وكان صديقه قد درس الكيمياء الحيوية وتخصص في مرض الجذام . أمتدت هذه الرحلة مسافة 4500 كلم من شمال الأرجتين و كان خط الرحلة من (أمريكا اللاتينية) إلي بلدان عدة منها: (بوليفيا، و بيرو، و الأكوادور، و بنما، و كوستاريكا، و جواتميالا) .
نشرت تفاصيل هذه الرحلات تحت عنوان ( مرة أخرى أو على الطريق ثانية ) 1953 . و قام (جيفارا) أيضا برحلة إلي الاتحاد السوفيتي، و جمهورية ألمانيا الديمقراطية، و تشكيوسلوفاكيا سابقاً، و الصين.و يتناول الكتاب المراحل الأساسية في هذه الرحلة وتأريخ لكل رحلة. و يعرض المؤلف مقدمة يظهر فيها البطل (جيفارا). و ينتقل بعد ذلك الى (مسار الرحلة) وهو الفصل الأطول. و لقد ضمن هذا الفصل عناوين تحفز القارئ و تشوقه على متابعة القراءة، فلا يستطيع أن ينهي سطرًا، حتى يشرع في السطر الذي يليه .في هذه المرحلة يسرد بطلها ( جيفارا) مشاهدته بلغته، وبكثير من التفصيل، ففي خلال تسعة أشهر من حياته، كان (جيفارا)يفكر في أشياء كثيرة حتى بدت تأملاته من أرفع التأملات الفلسفية شأناً، حتى أدنى التوق الي طبق حساء ساخن .
شخصية جيفارا تتجلى في يومياته.
في هذه اليوميات يتجلى لنا (جيفارا) كيف أنه استخدم كلمات تسمح لنا بسماع أصوات لم نسمعها من قبل، و يضعنا في أجواء أدهشت وجوده الرومانسي بجمالها و فجاحتها أحياناً، و مع ذلك لا يتخلى قط عن رقته حتى حين يصبح صارمًا في توقه الثوري القوي. بل إن قوته و مثابرته في محاولة إحلال تغييرًا جتماعياً، قد تمكن الفقراء من العيش بالكرامة التي سلبت منهم، و سحقتهم لقرون. قدم الكاتب في هذا الكتاب رؤية أعمق في حياة (جيفارا). خاصة في مرحلة ليست معروفة كثيرًا، و ليكشف تفاصل عن شخصيته، و خلفيته الثقافية، و مهارته السردية، ليتسلل الي القارئ التغير غير العادي الذي يحدث لـ(جيفارا) و هو يكتشف أمركيا اللاتينية، و يلج الي صميم قلبها ويطور حسًا متناميًا بهوية تاريخ جديد لأمريكا. يشير المؤلف إلي أننا لسنا أمام قصة بطولة خارقة، و لكنها لمحات لحياة رحالان سارا متوازيتين لفترة من الزمن بآمال متماثلة، وأحلام متقاربة.
المهارة الأدبية في يوميات جيفارا
تجسدت المهارة الأدبية لهذا البطل، في أنه كان يجذب الكلمات صوبه مما يحولها إلى واقع ، يصف مناظر من رحلاته بكلمات تلون كل صورة، لتتغلغل إلى حواسنا فنرى المشهد كما رآه بعينيه، فالمنظر الطبيعي له روح أكثر من كونه مجرد مشهد في يوميات (جيفارا). ونجده يجر بين سطور يومياته خفة السرد غير المدرك بالحس، ويفيض بين وصف المشاعر والأحداث. كما نجد الرويات السردية والتي يبحث فيها عن نفسه متناثرة في يومياته، حيث نقترب من فلسفة رؤيته للإنسان: ( الإنسان، مقياس كل شيئ، يتكلم هنا عبر فمه فيروي بلغته الخاصة ما رأته عينه.). ليذكرنا بما قاله هيراقلطس عن أن الإنسان مقياس الأشياء. تصل مراحل الإبداع الأدبي والحسي ذروته حين يسرد الأحداث السعيدة و المأساوية في آن واحد، دون شهيق أو زفير حادين.
صعوبات الرحلة
مرت رحلة (جيفارا) هذه بصعوبات عديدة من خلال تنقله على الدراجة النارية، أو عربات الشحن المقفلة، على متن السفن أو النوم في مخافر الشرطة، و تحت النجوم أو الملاجئ العابرة، كافح (جيفارا) باستمرار ضد ربوه – حيث كان يعاني من هذا المرض منذ الصغر- وتتضمن بعض فصول الكتاب معاناته مع هذا المرض. و للناس الذين رأهم (جيفارا) في رحلاته انطباعاً في نفسه، حيث يصف هنود بيرو : (هؤلاء الناس الذين يراقبوننا في البلدة هم جنس مهزوم، نظراتهم وديعة، لامبالية تماماً بالعالم الخارجي، يوحي بعضهم بأنه مستمر في العيش لأن ذلك مجرد عادة لا يقدر على التخلص منها). في رسالة إلى والدته يظهر فيها (جيفارا). أهتمامه البالغ بزيارته إلى (مستعمرة سان بابلو للجذام)، ومدى تأثره بوداع المرضى له في جمال انفعالي واضح واصفاً المشهد بقوله: ( انطلق المرضى على صوت لحن شعبي، انساقت الحمولة البشرية بعيداً عن الشاطئ، وأضفت أضواء القناديل الخافتة على الناس سمة الأشباح ).
نهاية البطل الثوري
أسدل الستار على حياة ثوري مناضل في 8/ أكتوبر تشرين الأول سنة 1967 حيث وقع 17 مقاتلاً في كمين، و كان بينهم (جيفارا)، فجرح وأسر. و قتل في اليوم التالي من قبل القوات البوليفية العاملة تحت إمرة تعليمات من واشنطن. دفن في قبر مجهول مع جثامين عدد من المقاتلين. وفي عام 1997 أعيد رفاته إلى كوبا، حيث وضع في نصب تذكاري في مدينة (سانتا كلارا). لايراودني الشك أنكم ستكتشفون خلال قرائتكم لهذا الكتاب. أنكم تودون العودة إليه، للاستمتاع بالقطع النثرية الفنية لحياة رجل ثرية بالتناقضات، والتي تمكن للإنسان اذا ما فسر الواقع بشكل سليم، أن يغير من طريقة تفكيره، ويصبح قادر على إحلال تغيراً إزاء نفسه وعالمه أيضاً.
جميع الحقوق محفوظة لدنيا الوطن © 2003 - 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق